أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

آخر الأخبار

مَن يحسم منصب البابوية في الفاتيكان؟

 post-title

البابا فرنسيس بابا الفاتيكان الراحل


مع إعلان الفاتيكان، الاثنين 21 أبريل 2025، وفاة البابا فرنسيس، تدخل الكنيسة الكاثوليكية مرحلة انتقالية دقيقة تفتح الباب أمام استحقاق مفصلي يتمثل في انتخاب بابا جديد يقود المؤسسة الكنسية في ظل تحولات كبرى داخلها وخارجها، وبرحيل رأس الكنيسة، تبدأ فترة "الفراغ الرسولي"، إذ تُفعّل الإجراءات المعتمدة تمهيدًا لانعقاد المجمع البابوي المغلق، وسط أنظار مشدودة إلى الفاتيكان وتوازناتها الداخلية، ويعلن الفاتيكان بداية فترة حداد تستمر تسعة أيام، في الوقت الذي تبدأ فيه الاستعدادات لاختيار بابا جديد خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. وبين تيارات محافظة تتوق إلى استعادة التقاليد، وأخرى إصلاحية تسعى إلى تعميق إرث البابا فرنسيس، تبرز أسماء كاردينالات من خلفيات ثقافية ولاهوتية متنوعة، يمثل كل منهم اتجاهًا مختلفًا في سباق يحمل في طياته رهانات لاهوتية وجيوسياسية ستحدد ملامح الكنيسة الكاثوليكية لعقود مقبلة.

بُناءً على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: مَن يخلف البابا فرنسيس؟

خريطة المرشحين للبابوية

تشهد قائمة المرشحين المحتملين لخلافة البابا فرنسيس تنافسًا شديدًا بين عدد كبير من الكاردينالات، في عملية تُتوقع أن تكون مفتوحة وغير محسومة سلفًا. سيجتمع 138 كاردينال من أصل 252، هم من يحق لهم التصويت، وفقًا لقواعد مجمع الكرادلة، بدءًا من 22 يناير 2025، داخل كنيسة السيستين، حيث تبدأ المناقشات والتصويت السري. ومن بين هؤلاء المنافسين:

إحصائيات انتخاب الحبر الأعظم القادم

(*) الكاردينال بييترو بارولين (إيطالي): يُعد الكاردينال بارولين واحدًا من أكثر الشخصيات نفوذًا في الفاتيكان، يبلغ من العمر 70 عامًا، ويشغل حاليًا منصب رئيس مجلس الأساقفة الإيطاليين وأمين دولة الفاتيكان منذ عام 2013، يتمتع بخبرة دبلوماسية عميقة، إذ لعب دورًا محوريًا في ترتيب الاتفاق التاريخي بين الفاتيكان والصين حول تعيين الأساقفة. يُعرف عنه الحذر والانضباط، ويُفضل العمل خلف الكواليس على الأسلوب الإعلامي العلني، الذي اتبعه البابا فرنسيس أحيانًا. وحول سياسته، فهو أقرب إلى السياسة المحافظة المعتدلة، ويميل إلى الحفاظ على التوازن بين التقاليد والانفتاح، لذا فهو ليس نسخة من البابا فرنسيس، لكنه لا يعتبر معارضًا له أيضًا.

(*) الكاردينال ماتيو زوبي (إيطالي): يُعد واحدًا من الأسماء الصاعدة بقوة داخل الكنيسة الكاثوليكية، يبلغ من العمر 69 عامًا، وهو رئيس مؤتمر الأساقفة الإيطاليين، منذ مايو 2022، وله جذور قوية في حركة سانت إيجيديو المعروفة بعملها في المصالحة والسلام. يتمتع الكاردينال ماتيوزوبي بشخصية كاريزمية ولغة إنجيلية واضحة، فهو قريب جدًا من فكر البابا فرنسيس سواء في الخطاب أو الممارسة، إذ عيّنه البابا فرنسيس "كاردينال"، عام 2019، وقام بمهمات دولية متعددة منها رحلة إلى أوكرانيا، والتقى كلًا من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنيسكي تارة، والرئيس الأمريكي جو بايدن تارة أخرى، ويُعرف بـ"الكاهن الشرعي".

(*) الكاردينال جان مارك أفلين (فرنسي): لاهوتي ومفكر عميق، يبلغ من العمر 66 عامًا، يشغل منصب رئيس أساقفة مرسيليا، ومن أبرز الوجوه الكنسية في فرنسا. يُعرف بعمق تفكيره وانفتاحه على قضايا الهجرة، الحوار الديني، وحقوق الإنسان. يُعتبر صوتًا أوروبيًا مثقفًا يدمج بين الرؤية اللاهوتية والبعد الاجتماعي، وتتوافق سياسته كثيرًا مع البابا فرنسيس، خاصًة فيما يتعلق باحتضان الغرباء، وتحول الكنيسة نحو دور اجتماعي أكبر في مواجهة تحديات العلمنة.

(*) الكاردينال بيتر إردو (هنجاري): أحد أبرز الوجوه الكنسية في أوروبا الشرقية، يبلغ من العمر 72 عامًا، ويشغل حاليًا رئيس أساقفة إزترجوم-بودابست، يتحدث عدة لغات بطلاقة بما في ذلك الإيطالية، ومعروف بانضباطه العقائدي. يُصنف على أنه محافظ معتدل، لكنه لا يُعد متشددًا. فبالرغم من احترامه للبابا فرنسيس، إلا أن هناك مسافة فكرية تفصل بين كليهما، خاصًة في قضايا المثليين، اللامركزية الكنسية، ودور المرأة في الكنيسة.

(*) الكاردينال لويس أنطونيو تاجلي (فلبيني): يُعتبر "ابن البابا فرنسيس الروحي"، ويتبنى تقريبًا كل المبادئ التي دعا إليها البابا فرنسيس، يبلغ من العمر 67 عامًا، ويشغل حاليًا منصب رئيس أساقفة مانيلا الفخري، ثم عُين في الفاتيكان كرئيس لمجمع تبشير الشعوب، ويمثل توجهًا رعويًا إصلاحيًا بامتياز. يرى الكثيرون أن تاجلي خليفة للبابا فرنسيس في طبيعته، لكن العائق الوحيد يتمثل في كونه غير أوروبي في كنيسة ما تزال قيادتها المركزية أوروبية الطابع.

(*) الكاردينال ريموند ليو بيرك (أمريكي): يُمثل التيار المحافظ المتشدد، ومن أبرز معارضي البابا فرنسيس داخل الكنيسة الكاثوليكية، يبلغ من العمر 76 عامًا، محامي بابوي تقليدي، فهو وجهًا معروفًا في التيار المحافظ الصلب، ويُعارض أي انفتاح على قضايا مثل المثليين، المطلقين، والمرأة في الكنيسة.

(*) الكاردينال ماريو جريتش (مالطي): الأمين العام لمجمع الأساقفة، يبلغ من العمر 68 عامًا، المسؤول عن متابعة مسار (السينودسية) الذي أطلقه البابا فرنسيس، التي تعني تحويل الكنيسة إلى جماعة أكثر مشاركة ولا مركزية. ويمثل جريتش امتدادًا حقيقيًا لنهج البابا فرنسيس، لا سيما في قضايا الحوكمة الكنسية والانفتاح.

(*) الكاردينال بيتر توركسون (غاني): يُعد واحدًا من أبرز الوجوه الإفريقية داخل الكنيسة الكاثوليكية، يبلغ من العمر 76 عامًا، شغل رئاسة مجمع العدل والسلام ثم دائرة التنمية البشرية، وكان مقربًا من البابا فراسيس في العديد من القضايا الاجتماعية والمناخية، وله حضور مؤثر في النقاشات العالمية، لكنه في الوقت ذاته يُظهر نفسه نوعًا من التحفظ العقائدي.

(*) الكاردينال خوان خوسيه أوميلا (إسباني): رئيس أساقفة برشلونة السابق، يبلغ من العمر 79 عامًا، يُعتبر داعمًا علنيًا للبابا فرنسيس في العديد من الملفات، ومعروف بتواضعه وقربه من الناس. ويحظى أوميلا باحترام واسع في الأوساط الكنسية بفضل توازنه ووفائه لروح الإنجيل لكنه ليس شخصية ذات ضوء إعلامي كبير.

القوى الوازنة في اختيار الحبر الأعظم

تخضع عملية اختيار البابا الجديد لتأثير قوى متعددة، دينية وسياسية وتنظيمية، تسهم في توجيه القرار النهائي. ومن خلال تتبع انتخاب الباباوات منذ بيوس العاشر حتى فرنسيس، يمكن رصد أبرز القوى الوازنة التي تكررت أدوارها في صياغة النتيجة، منها:

خريطة باباوات الفاتيكان في الفترة (1903 - 2025)

(*) الكرادلة المحافظون والليبراليون: تنقسم الكنيسة الكاثوليكية إلى تيارين رئيسيين: المحافظون الذين يدافعون عن الحفاظ على القيم التقليدية، والليبراليون الذين يدعون إلى الإصلاحات والتحديثات. وبالتالي، فإن نتيجة الانتخابات البابوية ستعتمد بشكل كبير على قدرة الكاردينال الفائز في تحقيق توازن بين هذين التيارين، إذ سيلعب هذا التوازن دورًا حاسمًا في تحديد الاتجاه الذي ستتخذه الكنيسة بالمستقبل.

(*) الضغوط من الأبرشيات الكبرى: تُعد الأبرشيات الكبرى مثل نيويورك، روما، لوس أنجلوس، وميامي ذات تأثير قوي داخل مجمع الكرادلة، نظرًا لتمثيلها كثافة سكانية كاثوليكية ضخمة وتأثيرها المالي والإعلامي، وغالبًا ما يكون لكاردينالات هذه الأبرشيات حضور بارز في رسم توجهات الكنيسة، ما يمنحهم وزنًا حاسمًا في اختيار البابا الجديد، سواء من خلال التأثير المباشر أو عبر بناء تحالفات داخل المجمع.

مجمع الكرادلة

(*) العلاقات الدولية للكنيسة: تؤدي الكنيسة الكاثوليكية دورًا فاعلًا على الساحة السياسية العالمية من خلال علاقاتها مع الدول الكبرى والمنظمات الدولية، وهو ما ينعكس على اختيارات المجمع البابوي. فالكاردينالات الذين يتمتعون بخبرة دبلوماسية واسعة وشبكات علاقات دولية قوية يُنظر إليهم باعتبارهم مرشحين قادرين على تعزيز مكانة الكنيسة عالميًا، ما يمنحهم موقعًا متقدمًا في سباق الترشح.

(*) النفوذ الجغرافي: تمثل الخلفية الجغرافية عاملًا حاسمًا في اختيار البابا الجديد، إذ يحمل اختيار مرشح من منطقة معينة دلالات رمزية وسياسية تؤثر في حضور الكنيسة هناك. وتشهد مناطق مثل أمريكا اللاتينية وإفريقيا، إذ تتنامى أعداد الكاثوليك - بشكل كبير - تزايدًا في التأثير داخل المجمع الانتخابي، ما يعزز فرص المرشحين القادمين من هذه الأقاليم في نيل دعم واسع.

(*) دور الكاردينالات الشباب: برز خلال السنوات الأخيرة تأثير متصاعد للكرادلة الشباب - الذين تقل أعمارهم عن 80 عامًا ويملكون حق التصويت في المجمع - إذ يمثلون شريحة تحمل رؤى متجددة وتطلعات مستقبلية للكنيسة الكاثوليكية. وغالبًا ما يميل هؤلاء إلى دعم مرشحين يعبرون عن نهج إصلاحي أو مقاربة أكثر انفتاحًا لقضايا العصر، ما يمنح صوتهم ثقلًا متزايدًا في رسم ملامح المرحلة المقبلة.

البابا الأقرب للفوز

يُعد الكاردينال لويس أنطونيو تاجل الأقرب حظًا لخلافة البابا فرنسيس، بفضل قربه الأيديولوجي من البابا فرنسيس ورؤيته الإصلاحية المنفتحة، إضافة إلى رمزيته كأول مرشح آسيوي في ظل تنامي الكنيسة بالفلبين، ويتمتع بكاريزما قوية وقاعدة شعبية واسعة، ويُلقب بـ"فرنسيس الآسيوي"، كما يحظى بدعم أغلبية الكرادلة الذين عيّنهم البابا الراحل، ما يعزز فرصه في الكونكلاف القادم.

ورغم أن الكاردينال ماتيو زوبي من المرشحين البارزين ويتمتع بقرُب فكري من نهج البابا فرنسيس، إلا أن الكاردينال لويس أنطونيو تاجل يتقدم عليه من حيث الأفق العالمي والانفتاح الثقافي، كونه يمثل كنيسة آسيا الصاعدة، ويجسد بعدًا ديموغرافيًا مهمًا يعكس تنوّع الكنيسة الكاثوليكية اليوم. ومع ميل غالبية الكرادلة لمواصلة المسار الإصلاحي الذي أرساه البابا فرنسيس، تبدو حظوظ تاجل أوفر، رغم أن مسار انتخاب البابا الجديد يبقى مفتوحًا على المفاجآت.

ختامًا، يمكن القول إن اختيار خليفة للبابا فرنسيس يُشكّل لحظة مصيرية ستحدد ملامح المرحلة المقبلة، وبينما يُعد الكاردينال لويس أنطونيو تاجل من أبرز الأسماء المرشحة، إلا أن موقع تقرير "مجمع الكرادلة" - موقع إلكتروني يهدف إلى توفير المزيد من المعلومات عن الخلفاء المحتملين - أن هناك 22 كاردينال يُعتقد أنهم بابابيلي، مُذكّرًا بأن التنبؤ بمن سيُنتخب بابا أمرًا محفوفًا بالمفاجآت، فغالبًا ما يبرز من لم يكن على قوائم الترشيح كما حدث مع البابا فرنسيس نفسه، عام 2013.

فمع دخول الكرادلة إلى قاعة مجمع الكرادلة، كثيرًا ما تتغير التحالفات وتبرز أسماء جديدة، وقد يتشكل إجماع مفاجئ حول مرشح لم يكن مطروحًا بقوة من قبل، وهو ما يجعل مسار الانتخاب مليئًا بالمفاجآت حتى لحظة صدور الدخان الأبيض. لذا، يبقى القرار النهائي في يد الكرادلة، إذ تُصنع لحظة تاريخية قد تعيد رسم مستقبل الكنيسة الكاثوليكية عالميًا.

صدى وطن
صدى وطن
تعليقات